صدرت عن منشورات الزمن بالرباط ترجمة جديدة لقصة " الشيخ والبحر " لأرنست همنغواي أنجزها الكاتب العراقي المقيم بالمغرب الدكتور علي القاسمي.
ويُعدُّ أرنست همنغواي أشهر كاتب أمريكي في القرن العشرين بلا منازع. كما تُعتبَر قصته " الشيخ والبحر" أعظم أعماله على الإطلاق. فعندما نشرت مجلة لايف الأمريكيّة هذه القصة في عددها الصادر بتاريخ 1/9/1952م، باعت منه أكثر من خمسة ملايين نسخة خلال يومَيْن فقط. وفي السنة التالية، 1953م، مُنِحَتْ أرفعُ جائزة أمريكيّة أدبيّة ، جائزة البولتسر، لإرنست همنغواي لقاء هذه القصة، وفي سنة 1954م، حاز إرنست همنغواي جائزة نوبل. وورد في قرار لجنة جائزة نوبل سببُ اختيار همنغواي: "…لإتقانه فنّ السرد، الذي برهن عليه مؤخَّراً في "الشيخ والبحر" وللتَّأثير الذي مارسه على الأسلوب المعاصِر…" ثم أنتجت هوليوود هذه القصة في عدّة أفلام قام ببطولتها سبنسر تريسي، وأنطوني كوين، وغيرهما من مشاهير النجوم.
خلاصة " الشيخ والبحر":
تدور قصّة " الشيخ والبحر" حول صيّاد كوبيّ مُتقدِّم في العمر اسمه سنتياغو، أمضى 84 يوماً دون أن يستطيع اصطياد سمكة واحدة، فتركه الصبيّ الذي كان يُرافِقه لمساعدته ولتعلُّم المهنة. وعلى الرغم من أنّ بعض زملائه الصَّيَّادين راح يَسْخر منه وبعضهم الآخر أخذ يرثي له، فإنّه لم يفقد إيمانه بنفسه، بل ظلَّ واثقاً بقدراته، متشبّثاً بالأمل؛ يستيقظُ كلَّ صباح باكراً، فيحمل ساريته وشراعه وعدّته إلى مركبه الصغير، ويجذّف بعيداً في مجرى خليج المكسيك بحثاً عن سمكةٍ كبيرة. وفي اليوم الخامس والثمانين، علِقت صنّارته بسمكةٍ ضخمة فاخرة، فظلَّ يُعالجها مدّةَ يومَيْن كاملَيْن حتّى استطاع أن يتغلّب عليها. ولمّا كانت تلك السمكة أطول من قاربه، فإنّه اضطرَّ إلى ربطها بجانب القارب وقَطرها معه إلى الشاطئ. بَيْدَ أنّ أسماك القرش تأخذ في التقاطُر على القارب لِنَهْش لحم السمكة؛ فيدخل الصيّاد الشيخ في قتالٍ ضارٍ غير متكافئٍ مع أسماك القرش حفاظاً على سمكته. وعندما وصل الشاطئَ لم يبق من السمكة سوى رأسِها الذي لا يؤكل وهيكلها العظميِّ الهائل. وهكذا يخسر المسكين معركته بصورة تُبذِر الحسرة في القلب وتجذِّر الأسى في الروح. ولكنّه سرعان ما يرتفع بشهامةٍ على خسارته متطلّعاً إلى مستقبل أفضل.
كيف كتب همنغواي " الشيخ والبحر" :
كان همنغواي يعيش مع زوجته الثالثة مارثا غلهورن (تزوّج أربع مرات) بالقُرْب من هافانا في كوبا ابتداء من سنة 1940م حتّى نجاح الثورة الكوبيَّة بقيادة فيدل كاسترو سنة 1959م. وكانت إحدى هواياته المُفضَّلة هي صيد السمك بمركبه الشِّراعي المُسمَّى "بيلار" واستخدم همنغواي صيّاداً كوبيّاً متقاعداً اسمه جورجيو فوينتس للعناية بمركبه الشِّراعيّ. وعندما مات همنغواي مُنتحِراً سنة 1961، بادر فوينتس إلى إهداء قارب همنغواي إلى الحكومة الكوبيّة.
ويتّفق النُّقّاد على أنّ همنغواي صوّر بطل قصّة " الشيخ والبحر" على غرار الصياد فوينتس، أو أنه سمع القصة منه. وكان فوينتس قد ولد في جزر الكناري سنة 1897، وتُوفِّيَ مُصاباً بالسرطان سنة 2002 بعد أن عاش ما ينيف على 104 سنوات، دون أن يقرأ "الشيخ والبحر" حتّى ولا في ترجمتها الإسبانيّة.
ترجمة جديدة:
وعلى الرغم من أنَّ هذه القصَّة قد تُرجِمت إلى اللغة العربية عدّة مرات بأقلام كبار الأدباء العرب مثل شيخ المترجمين اللبنانيين المرحوم منير بعلبكي والشاعر المصري المرحوم صالح جودت، فإن الدكتور علي القاسمي، أمضى سنتين لإنتاج ترجمة جديدة لهذه القصة. ولكي يسوِّغ هذه الترجمة الجديدة كتب دراسة بعنوان " في إعادة ترجمة الأعمال الأدبية المترجمة سابقاً" تقع في خمسين صفحةً. وكانت هذه الدراسة قد نُشرت في مجلة جامعة القاهرة " لوغوس " ومجلة " ترجميات " المغربية ودوريات عربية أُخرى، واعتمدتها في مناهجها معاهد الترجمة في عدد من البلدان العربية.
ويرى القاسمي أن الترجمة ليست مجرّد جسر ثقافي تعبر عليه الأفكار والمضامين والقيم فقط، وإنّما ينبغي أن تنتقل عن طريقه كذلك الأساليب الأديبة والتقنيات السردية والنفسيات والعقليات المجتمعية. ولهذا تصدّى لترجمة هذه القصة من أجل أن ينقل إلى العربية أسلوب همنغواي وتقنياته، بوصفه أحد المتخصِّصين في أدب همنغواي، فقد سبق أن ترجم رواية همنغواي السيرذاتية " الوليمة المتنقِّلة " وبعض قصص همنغواي القصيرة في كتابه " مرافئ على الشاطئ الآخر: روائع القصص الأمريكية المعاصرة"؛ إضافة إلى أنّ القاسمي من القصاصين المرموقين في الوطن العربي، فقد أصدر حتى الآن خمس مجموعات قصصية وقصة طويلة للفتيان لقيت ترحيب النقّاد.