/C]هكذا كانت كلمات الفتاة التي لم يتجاوز عمرها 19 سنة.. فهي تؤكد أن اهمال المجتمع لمن يخطيء سهل.. لكن الرسالة الصعبة ان يفرز المجتمع اصحاب الخطايا وينتقي منهم من سقط سهوا في بئر الجريمة .. ربما كان احوج مايكون لهذا التسامح!.. وتمضي سحر تتكلم ونحن نستمع.. تبكي رغم نهر الدموع الذي جف قبل ايام.. تعترف بجريمتها وهي في اشد الندم.. لكنها ليست واثقة من انها ستكون الجريمة الاخيرة.. فربما تجعلها قسوة المجتمع ونظرات الناس وماضيها الاسود تعود الي الجريمة من جديد.. ولو كانت جريمة انتحار !
كنا في تخشيبة الاحداث نرصد هذه التجربة بشكل جديد.. نسجل لحظة الصدق التي تنتاب كل خارج عن القانون.. ففي داخلنا خير.. وفيه ايضا الشر!
سحر فتاة كانت الي وقت قريب تلميذة متفوقة بالثانوي.. لكنها الآن 'حرامية' في نظر القانون.. تعالوا نتعرف علي قصتها ثم نستمع الي اعترافاتها!
لم تكن سحر في طفولتها مجرد طفلة مثل باقي الأطفال ولكنها كانت طفلة ذات طابع خاص، طفلة فقيرة في أسرة أشد فقرا كل مايشغلها هو انهاء تعليمها بتفوق حتي لاتحمل أهلها هما فوق همومهم أما اللعب ولهو الاطفال فهي أمور ترفيهية ليس لها حق فيها مثل باقي البنات في قريتها بأبي زعبل
انهت دراستها الابتدائية بتفوق والتحقت بالمرحلة الاعدادية وبالكاد أكملتها ولكن بتفوق ايضا حتي التحقت بالمرحلة الثانوية كانت وقتها كل الظروف تعمل لاجهاض احلامها فوالدها فقير فقرا مؤلم ازدادت بآلامه بالآم الأمراض التي ألمت به وجعلت منه رجلا قليل الحيلة قعيد الفراش وبذلك فقدت الأسرة مصدر رزقها الوحيد بعدما ترك الأب عمله وأصبحت كل الأموال التي ادخرها قد انفقها في العلاج وتحولت حياة الأسرة من سيء إلي أسوأ ولم تكن سحر بعيدة عن كل تلك الأحداث فقد كانت جزءا لايتجزأ من تلك الاحداث تركت تعليمها بلا رجعة بعدما بللت دموعها كتبها الدراسية ولكن لم يكن امامها غير ذلك فنفقات الدراسة باهظة علي هذه الاسرة الفقيرة وفي ذات الوقت لم تكن تملك لاسرتها شيئا تساعد به وانضمت لباقي افراد الاسرة افواه مفتوحة لاتملك قوتها واجساد عارية لاتملك كساءها ولم تجد سحر لحظتها إلا البحث عن عمل لتساعد بدخلها اسرتها ولم تجد غير اعلانات الصحف بابا لتطرقه وظلت تستعير الجريدة من جيرانها وأقاربها حتي وقع عينها ذات يوم علي اعلان لمكتب توظيف الخادمات يطلب خادمات فسارعت واتصلت بالمكتب لتلتحق بهذه الوظيفة وكانت فرحتها شديدة عندما تم الحاقها بخدمة احدي الأسر وبعد شهر كامل وجدت صاحبة العمل تدس في يدها مبلغا كبيرا من المال أخذته وهرولت به الي والدتها ودسته في يدها وهي تتملكها فرحة شديدة من انها ستساعد في مصروفات المنزل وسارت الأمور للأحسن وأصبح راتب سحر مصدر الدخل الوحيد الذي تعتمد عليه الأسرة وراحت سحر تهب حياتها الي عملها الذي بدوره سيهب الحياة لهذه الأسرة**
ولم تكن سحر كفتاة في مقتبل عمرها بعيدة عن عيون الشباب التي ترصد حركتها كلما راحت او غدت في اجازتها الاسبوعية وكل اجازة كانت تأتي لتقضيها في قريتها تزداد جمالا عن المرة التي تسبقها فقد بدت ملامح المدينة تطغي علي ملامح قرويتها ودون مقدمات ودون ان تدري وجدت نفسها مشدودة الي احد شباب القرية بقوة جذب سحرية انها قوة الحب التي أعطت لحياتها طعما جديدا خفف من مرارة الايام التي تقضيها في خدمة البيوت ومأساة والدها المريض واسرتها الفقيرة حتي جاء اليوم الذي تقدم فيه هذا الحبيب لخطبتها وطارت من السعادة ولكن تأتي الرياح دائما بما لاتشتهي السفن فمستوي عائلة هذا الشباب أكثر ثراء من عائلتها ولذا لم يوافق والدها تحت ضغط فقرهم الشديد وحزنت سحر ولكن لم يدم حزنها كثيرا فنظرتها للحياة أصبحت مختلفة فهي من أجل الحفاظ علي حبها بدأ الشيطان يتسرب الي حياتها ودون ان تشعر وجدت تفكيرها ونظرها يسبقها الي مصوغات مخدومتها الاسترالية لكي تنقذ حبها بأموال هذه المصوغات لتجهز نفسها وخططت بعد تردد كبير واختارت الموعد المناسب في غيبة صاحبة المنزل فبعض المشغولات اختفاؤها لايؤثر كما تخيلت في هذا الكم الكبير من الذهب واخفتها في ملابسها وبعد عدة ايام تيقنت ان مخدومتها لم تكشف السرقة والا لاعادتها في الحال متعللة بضياعها في اي مكان بالشقة ولكن لم يحدث ذلك وبدأت خطتها للهرب والتي بدأتها بادعائها المرض وطلبت من مخدومتها اجازة لمدة اسبوع فوافقت مخدومتها وطال الاسبوع اسبوعين بعدها تلقت سحر مكالمة تليفونية من مكتب توظيف الخادمات يطب منها المجيء لأخذ مبلغ التأمين الخاص ومكافأة تركتها له مخدومتها الاسترالية قبل مغادرتها البلاد ، فرحت سحر بأن أمرها لم ينكشف وسارعت الي القاهرة ولم تكن تعلم ان هذه المكالمة ماهي إلا فخ نصب لها للقبض عليها من قبل مخدومتها الاسترالية ورجال مباحث القاهرة وما ان شاهدت سحر مخدومتها بصحبة رجال المباحث حتي اغشي عليها وعندما أفاقت وجدت نفسها داخل قسم الشرطة وأمام مكتب رئيس المباحث لم تملك لحظتها إلا أن تنهار وتعترف بكل شيء وتقسم بأنها ليست لصة ولكن لها حق في الحياة فقد حرمتها هذه الحياة من كل متعها حتي حبها أصبح مأساة قادتها الي مأساة أكبر*
كانت هذه هي قصة سحر من واقع ذاكرة الأيام السوداء التي عاشتها * حقا هي حياة صعبة ولكن الحوار معها كان أصعب فالكلمات تخرج من فمها بالكاد تصمت كثيرا وتتكلم قليلا ولكن عندما تتحدث تخرج الكلمات من فمها كطلقات المدافع لتصيب كبد الحقيقة المرة التي تعيش تفاصيلها بينما الدموع لاتكاد تجف من عينيها!
* سألناها لماذا تبكي؟
** هل هناك حزن او مصيبة أبكي عليها أكثر مما أنا فيه؟!
* انت تجنين مازرعت: وهذا عقابك؟
** انا لا أبكي علي وجودي في السجن ولكني أبكي علي الحال الذي وصلت إليه وهذه هي طبيعة الدنيا الظالمة التي نعيش فيها تبدل الناس كما تبدل الأيام وهذا هو حالي الآن*
* بكلمات بسيطة كيف تصفين الوضع الذي انت عليه الآن؟
** سرحت سحر لخيالها وشردت عيناها ثم دفنت رأسها بين ايديها ثم اجهشت بالبكاء في نومة طالت فعاودنا تكرار السؤال عليها لعلها تفيق من نوبة البكاء ثم عادت ورفعت رأسها مجيبة علي السؤال**
** الضياع هو عنوان حياتي الآن وغدا فأنا في غيبة من عقلي تحولت الي مجرمة وصاحبة سوابق وخسرت كل شيء الحب والسمعة حتي عملي كخادمة خسرته أيضا من سيوافق علي ان تعمل لديه خادمة صاحبة سوابق
* وهل تخيلت انك ستفلتين من العقاب!
** للحظات تصورت ان الأمر لن ينكشف وان بعض قطع من الذهب لن تظهر وسط المشغولات الكثيرة التي تملكها مخدومتي وتصورت ان هذا الذهب هو حق لي فلماذا خلقني الله فقيرة واختص غيري بالثروة*
* وكيف نسيت كل ماتربيت عليه وتعلمته من اسرتك الطبية؟
** نعم أسرتي طيبة ربتني علي مكارم الأخلاق ولكنها اسرة فقيرة ليس لها حق في أي شيء أنا لا ابرر بهذا الكلام جريمتي ولكنني نادمه وهذه كلمات ندم فكل ماتربيت عليه تحطم علي عتبات الشر التي دفعني اليها الشيطان
* ما الذي تنوين عمله بعد خروجك من السجن؟
** لم أفكر في هذا الموضوع الآن بشكل مكثف ولكن كل ما افكر فيه هو كيف سأعيش داخل السجن فهذا المكان ليس مكاني ولو ان الامور سارت علي ماكانت عليه لاصبح مكاني في مكان آخر
* قبل ارتكابك الجريمة بماذا كنت تحلمين؟
** حياتي كانت تنقسم الي مرحلتين الأولي قبل ان اترك التعليم وكنت وقتها أشعر انني فتاج تحلم ولها حقوق وكانت احلامي ان اصبح مدرسة او محامية ولكن بعدما تركت التعليم تنازلت عن كثير من أحلامي او اجبرت علي التنازل عنها وكل ماكنت أحلم به هو الستر وان اكون ربة منزل لزوج يحبني واحبه ولكن*
* ولكن ماذا ؟
** سلمت نفسي للشيطان وزج بي الي السجن
* ماذا فعل أهلك بعد علمهم بماحدث؟
** بصراحة شديدة تمنوا لو انني مت قبل ان اتهم بقضية سرقة فليس بين عا ئلتي لص او مجرم رغم فقرهم الشديد فأنا جلبت لهم العار**
** ومرة اخري انهارت سحر وحاولت اخفاء وجهها عن عدسات المصور ورفضت ان تتحدث الينا وقالت ان كل ما عندما قالته وكل ما ترجوه منا ان ننشر كلامها كما هو لعلها تجد من يتعاطف معها فالمجتمع دائما يصدر احكاما مطلقة ولو لم يرحمها المجتمع ويتقبلها مسامحا لها غافرا لها خطيئتها ستعاود السير في طريق الخطيئة